سياسة

الياس جرادة.. فكرة جادّة للتغيير مقابل خفّة صبيانية

في لحظة النشوة وجنون العظمة، التي شاهدها اللبنانيون على شاشة التلفاز، ليل الخميس، قد يظن البعض أن خارطة طريق “الثورة” أو مستقبل اللبنانيين سيحدد من داخل غرف عمليات المؤسسات الاعلامية وتمويلها عبر شبكة مالية مصرفية عابرة للقارات.

الدهشة التي سادت لدى الجمهور اللبناني، بعد نزال انتخابي حربي، كانت كبيرة وخيبة الأمل في أن يتم تصوير العمل التشريعي بهذه السطحية والاستخفاف، في لحظة حساسة في تاريخ البلد، أمر يستدعي المراجعة والإصلاح في سلوك “التغييريين” و”الثوريين”.

في لحظة “صار الوقت” المليئة بالخفّة والانحياز للتطبيل لنموذج خارج عن المألوف عن مفهوم الانقاذ والتغيير، الذي ينشده اللبنانيون، وحده النائب المنتخب الياس جرادة تكفّل بتصحيح المشهد برسم الواقع اللبناني بعيداً عن الشعبوية ونكران وجود فئات كبيرة من المجتمع اللبناني مؤمنة بالعمل المقاوم كحقيقة جيوسياسية لا يمكن الخروج منها بمثل الخفّة الظاهرة في برنامج تلفزيوني قاصر عن تقديم الحلول لمشاكل اللبنانيين.

رغم تجاربهم المهنية والشخصية التي قد تكون ناجحة، لكن النواب الجدد بدت أفكارهم رمادية وشخصياتهم هلامية، غابت عنهم فكرة المجتمع اللبناني وتلاوينه الطائفية، بدوا عاجزين عن فهم أحوال الناس لمعالجة تقرّحاتها غرقوا في استعراضات لا تُصلح للمعاناة الوطنية حالياً.

وحده الدكتور الياس جرادي، أظهر عمقاً فكرياً لتشريح النسيج اللبناني المعقّد. وجعل من فعل التغيير السياسي الذي يحتاجه اللبنانيون، إدراكاً لتكوينه السيكو-سوسيولوجية. معرفته بمخاوف وهواجس الجنوبيين واللبنانيين، اللذين يُعلون شأن المقاومة كأسمى فعل لرد العدوان والاعتداء على أراضيهم وحياتهم ومجتمعهم، تبقى الأسلم والأنجح في تكريس معنى لتغيير من دون الانغماس في جوقة “نزع سلاح المقاومة” وعدم انتخاب نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي.

صدمة الإعلامي ومدّعي الثورة من كون خريج جامعة هارفرد إبن الجنوب المحرّر من الاحتلال الإسرائيلي مؤمن بفكرة المقاومة، كفيلة بفهم العصف العقلي، الذي قاده الغرب عبر شركات إعلام وعلاقات عامة ومصارف وأحزاب يمينية متطرفة لم تخرج من لغة الحرب، القائم على تسخيف فكرة المواطنة والدفاع عن الأرض وبناء اقتصاد يكفل حقوق الناس لا الحيتان المالية والسياسية.

نعم لا مكان للحياد في إنقاذ الوطن من الطائفية والزبائنية والأوضاع المزرية التي كرّستها منظومة متشابكة من أهل الساسة والمصارف والأحزاب. كما لا مكان للحياد مع أطماع الإسرائيليين في أرض لبنان ونفطه ومياهه. بهذا الوضوح يعبّر إبن مرجعيون الجنوبية، فيما يعصى الآخرون عن فهم هذه العُصارة الأخلاقية والسياسية والإنسانية والوطنية.

امتلاك مثل هذا الحسّ الوطني هو الرهان على التغيير، لبناء وطن قوي واقتصاد صلب منتج ومؤسسات أمنية قوية تملك السلاح حصراً قادرة على حماية البلد من أي أطماع أو مشاريع خارجية كالاحتلال والتوطين وتغيير هوية الوطن واللعب على التغيير الديموغرافي للمجتمع اللبناني.

مع الفائز بالمقعد الأرثوذكسي في مرجعيون، الشيوعي الهوى، سيدخل خطاب جديد على البرلمان، خطاب يروي للعالم قصة الجنوب وينشر الوعي في عقول المضلّلين وتحديداً الشباب المسيحي، حول قدسية المقاومة وشرف التمسك بها. وحدة اللبنانيين حول نقطة القوة هذه كفيلة بإنقاذ لبنان من كل أزماته التي افتعلها نظام المحاصصة والمحادل السياسية والاقتصادية والمالية.

فكرة الياس جرادة في أن حماية المقاومة، تكون في القضاء على الفساد وترسيخ العدالة الاجتماعية والاقتصادية والإنحياز للناس في وجه حيتان الاقتصاد والاحتكار، هذه فكرة على المقاومة دعمها واحتضانها وتيسير طريق الوصول إليها وحبذا لو يلتحق نواب التغيير الجدد بهذا المشروع بدلاً من الانغماس بمشاريع جماعة المموّل الأكبر جورج سوروس القائمة على المسّ بأصول الدولة ووهم الصناديق السيادية وجعل الخصخصة مشروعاً اقتصادياً وحيداً للبنان.

لا يمكن تحميل الياس جرادة عبء إصلاح كافة أمور الوطن، لكن الطبيب الجنوبي يصلح لنموذج يحتاج للتطوير والزيادة في البرلمان اللبناني حتى لا يذوب وسط الانقسام الحاد، وتحسين إمكانية التعويل عليه ليكون عنصراً في عملية الإنقاذ والعدالة ما لم تتبدّل الأحوال من حال إلى حال.

وفي خطابه ما هو مطمئن لناحية عدم الانزلاق إلى حرب أهلية أخرى في لبنان، بحسب تأكيده لصحيفة “لوبينيون” الفرنسية، أمر في صلب قناعاته. وهو يشدد في لقاءاته مع الناس على ضرورة بناء جسور بين مختلف الأطراف السياسية في لبنان لإنشاء حكومة ذات سيادة تكون شاملة قدر الإمكان.

الخطاب الوطني لدى جرادة، يشمل أهمية بناء جيش لبناني قوي لحماية اللبنانيين وفي سؤال للصحيفة الفرنسية حول إمكانية التعايش بين حزب الله والقوات اللبنانية في الحكومة المقبلة، يقول نائب مرجعيون “نسعى إلى ذلك من خلال التفاوض من أجل حماية لبنان من أي توترات داخلية جديدة، ودورنا كائتلاف مجتمع مدني يتمثل في طمأنة كل طرف واستعادة الثقة بين الفاعلين”.

وفي توضيح أوسع يوضح النائب اللبناني أن الحد من الأزمة الاقتصادية في البلاد والعمل على رفع العقوبات المفروضة على توريد المعدات العسكرية من أولويات الحكومة المقبلة مؤكداً على أن الجلوس على طاولة واحدة لوضع قواعد جديدة شرط أساسي للحد من التأثير الأجنبي على الحياة السياسية اللبنانية.

أمّا التغييريين المنفوخين بأفكار غربية “كول” والسكارى بنصر مشوب بألف علامة استفهام، عليهم تصحيح المسار وتصويب السلوك لمحو الإطلالة الهزلية التي لا تليق بالشعارات ولا البرامج المطلوبة للتغيير الحقيقي في السلوك الوطني العام. وعليهم التواضع أيضاً للتعامل مع الطبقة السياسية التي أنتجتها الانتخابات اللبنانية، لإقرار برامج الإنقاذ والتعافي وإلا سيكون مرورهم في الندوة البرلمانية عابراً وهزيلاً يُضيف أربع سنوات جديدة للمحنة اللبنانية.

 

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى